فصل: فصل في ماهية الجذام وسببه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في العرق المديني:

العرق المديني هو أن يحدث على بعض الأعضاء من البدن بثرة فتنتفخ ثم تتنقط ثم تتثقب ثم يخرج منها شيء أحمر إلى السواد ولا يزال يطول ويطول وربما كانت له حركة دودية تحت الجلد كأنها حركة الحيوان وكأنه بالحقيقة دود حتى ظن بعضهم أنه حيوان يتولد وظن بعضهم أنه شبة من ليف العصب فسد وغلظ وأكثر ما يعرض في الساقين وقد رأيته على اليدين وعلى الجنب ويكثر في الصبيان على الجنبين وإذا مد فانقطع عظم فيه الخطب والألم بل يوجع مدة وإن لم ينقطع.
وقد قال جالينوس أنه لم يُحَصل من أمره شيئاً واضحاً معتمداً لأنه لم يره البتة ويقول أن سببه دم حار رديء سوداوي أو بلغم محترق يحتد مع اشتداد من يبس مزاج وربما ولدته بعض المياه والبقول بخاصية فيها.
وأكثر ما يولّده من الأغذية ما هو جاف يابس وكلما كانت المادة المتولدة عنها ذلك في البدن أحد كان الوجع أشد وربما حدث في بدن واحد في مواضع نحو أربعين منه وخمسين مع أنه يتخلص منه بالعلاج وثَفُلَ في الأبدان الرطبة والمستعملة للاستحمامات والأغذية المرطبة والمستعملة للشراب بقدر وأكثر ما يتولد في المدينة ولذلك ينسب إليها وقد يتولّد أيضاً في بلاد خوزستان وغيرها وقد يكثر أيضاً ببلاد مصر وفي بلاد أخر.
فصل في العلاج:
أما الاحتراز منه في البلاد التي يتولد فيها والأغذية التي يتولد منها.
فبمضادة سببه وذلك باستفراغ الدم الرديء فصداً من الباسليق أو من الصافن بحسب الموضع وتنقية الدم بمثل شرب الهليلجين وطبيخ الأفتيمون وشرب حبّ القوقاي خاصة واستعمال الاطريفل المتخذ بالسنا والشاهترج وترطيب البدن بالأغذية المرطبة والاستحمامات وسائر التدبير المرطب المعلوم فأما إذا ظهر أثره أول ظهوره فالصواب أن يستعمل تبريد العضو بالأضمدة المبردة المرطبة كالعصارات البارعة المعروفة مع الصندلين والكافور بعد تنقية البدن ويستظهر أيضاً بإرسال العلق على الموضع.
ومن الأطلية الجيدة طلاء من صبر وصندل وكافور أو المر والبزرقطونا واللبن الحليب فإن لم يرجع ولكن أخذ يتنفط فربما منعه وصرفه وخفف الخطب فيه أن يشرب صاحبه على الولاء أياماً ثلاثة كل يوم وزن درهم من صبر أو يشرب منه يوماً نصف درهم وفي الثاني درهماً وفي الثالث درهماً ونصفاً ثلاثة أيام ويطلى عليه الصبر أو يطلى على فوهته رطوبة الصبر الرطب اللزجة.
وكذلك في ابتداء ما يخرج فإن لم يبال من ذلك وخرج فالصواب أن يهيأ له ما يشدّ به ويلف عليه بالرفق قليلاً قليلاً حتى يخرج إلى اخره من غير انقطاع وأحسنه رصاصة يلف عليها ويقتصر على ثقلها في جذبه فينجذب بالرفق ولا يتقطع ويجتهد في تسهيل خروجه بأن يدام تسخيف العضو وخلخلته بالنطول بالماء الحار واللعابات المبردة والأدهان الملينة باردة ولطيفة وربما لم يسهل بذلك بل احتيج إلى مثل التلطيخ بدهن الخيري بل الزنبق بل البان وأن يستعمل عليه مرهم الزفت وإن كان الحدس يوجب أن البط عنه يخرجه بكليته ولم يكن مانع بططت وأخرجت وإن كان إخراجه بالجذب المذكور لا يسهل والبط عنه لا يمكن فعفنه بالسمن فإنه يعفن بكليته ويخرج.
وإياك واستعمال الحادة من الأدوية فإنه ربما أدى إلى الأكلة وإذا أدمن على أواخره الدلك بالملح قليلاَ قليلاً أو دلك من خلف بالمرفق ومد من مخرجه باللطف والرفق خرج بكفيته خصوصاً إذا شُق أبعد ما خلفه وأدخل تحته الميل هناك ودفع وأديم المَسْح وهو يخرج بالملح قليلاً قليلاً بالرفق فإنه إذا فعل به ذلك فقد يخرج كله فإن انقطع وكمن لم يكن بد من البط عنه إلى أن يصار كرة أخرى ثم يخرج بالرفق ويعالج الموضع بعلاجات الجراحات.

.المقالة الثالثة: الجذام:

.فصل في ماهية الجذام وسببه:

الجذام علة رديئة يحدث من انتشار المرة السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها وربما فسد في آخره اتصالها حتى تتأكّل الأعضاء وتسقط سقوطاً عن تقرّح وهو كسرطان عام للبدن كله فربما تقرح وربما لم يتقرّح وقد يكون منه ما يبقى بصاحبه زماناً طويلاً جداً.
والسوداء قد تندفع إلى عضو واحد فتحدث صلابة أو سقيروساً أو سرطاناً بحسب أحوالها وإن كانت رقيقة غالية أحدثت آكلة وإن اندفعت إلى السطح من الجلد أحدثت ما يعرف من البرش والبهق الأسود والقوباء ونحوه.
وقد ينتشر في البدن كله فإن عفن أحدث الحمى السوداوية وإن ارتكم ولم يعفن أحدث الجذام وسببه الفاعلي الأقدم سوء مزاج الكبد المائل جداً إلى حرارة ويبوسة فيحرق الدم سوداء أو سوء مزاج البدن كله أو يكونان بحيث يكثف الدم بسببهما برداً وسببه المادي هو الأغذية السوداوية والأغذية البلغمية أيضاً إذا تراكمت فيها التخم وعملت فيها الحرارة فحللت اللطيف وجعلت الكثيف سوداء والامتلاءات والأكلات على الشبع لهذا المعنى بعينه وأسبابه المعينة إنسداد المسام فيختنق الحار الغريزي ويبرد الدم ويغلظ وخصوصاً إذا كان الطحال سددياً ضعيفاً لا يجذب ولا يقدر على تنقية الدم من الخلط السوداوي أو كانت القوة الدافعة في الأحشاء تضعف عن دفع ذلك في عروق المقعدة والرحم وكانت المسام منسدة وقد يعين ذلك كله فساد الهواء في نفسه أو لمجاورة المجذومين.
فإن العلة معدية وقد تقع بالإرث وبمزاج النطفة التي منها خلق في نفسه لمزاج لها أو مستفاد في الرحم بحال لها مثل أن يتفق أن يكون العلوق في حال الحيض.
فإذا اجتمع حرارة الهواء مع رداءة الغذاء وكونه من جنس السمك والقديد واللحوم الغليظة ولحوم الحمير والعدس كان بالحري أن يقع الجذام كما يكثر بالإسكندرية.
والسوداء إذا خالطت الدم أعان قليلها على تولّد كثيرها لأنها لا محالة تغلظ من وجهين: أحدهما بجوهرها الغليظ والثاني ببردها المجمّد لهاذا غلظ بعض رطوبته كان تجفّفه بحرارة البدن أسهل وقد يبلغ من غلظ الدم في المجذومين أن يخرج في فصدهم شيء كالرمل.
وهذه العلة تسمى داء الأسد.
قيل إنما سمّيت بذلك لأنها كثيراً ما تعتري الأسد وقيل لأنها تجهم وجه صاحبها وتجعله في سحنة الأسد وقيل لأنها تفترس من تأخذه افتراس الأسد والضعيف من هذه العلة عسر العلاج والقوي ما يؤمن من علاجه والمبتدىء أقبل والراسخ أعصى والكائن من سوداء الصفراء أهيج وأكثر أذى وأصعب أعراضاً وأشد إحراقاً وتقريحاً لكنه أقبل للعلاج.
والكائن عن ثقل الدم أسلم وأسكن ولا يقرّح والكائن عن السوداء المحترقة يشبه الصفراوي في أعراضه لكنه أبطأ قبولاً للعلاج وهذا المرض لا يزال يفسد مزاج الأعضاء بمضادة الكيفية للكيفية الموافقة للحياة أعني الحرارة والرطوبة حتى يبلغ إلى الأعضاء الرئيسة وهناك يقتل ويبتدىء أولاً من الأطراف والأعضاء اللينة وهناك ينتشر الشعر عنها ويتغير لونها وربما تأدت إلى تقرّح ثم يدبّ يسير يسيراً في البدن كله فإنه وإن كان أول تولده في الأحشاء فإن أول تأثيره في الأطراف لأنها أضعف.
على أنه ربما مات صاحبه قبل أن تنعكس غائلته الظاهرة على الأحشاء والأعضاء الرئيسة ويكون صوته ذلك بالجذام وبسوء مزاجه.
ولما كان السرطان وهو جذام عضو واحد مما لا برء به فما تقول في الجذام الذي هو سرطان البدن إلا أن في الجذام شيئاً واحداً وهو أن المرض فاش في البدن كله فإذا استعملت العلاجات القوية اشتغلت بالمرض ولم تحمل على الأعضاء الساذجة وليس كذلك في السرطان.
فصل في العلامات:
إذا ابتدأ الجذام ابتدأ اللون يحمر حمرة إلى سواد وتظهر فيَ العين كمودة إلى حمرة ويظهر في النفس ضيق وفي الصوت بحة بسبب تأذي الرئة وقصبتها ويكثر العطاس وتظهر في الأنف غنة وربما صارت سدة وخشماً ويأخذ الشعر في الرقة وفي القلة ويظهر العرق في الصدور ونواحي الوجه وتكون رائحة البدن وخصوصاً العرق ورائحة النفس إلى النتن وتظهر أخلاق سوداوية من تيه وحقد وتكثر في النوم أحلام سوداوية كثيرة ويحس في النوم كأن على بدنه ثقلاً عظيماً ثم يظهر الانتثار في الشعر والتمرّط فيه خصوصاً فيما كان من الشعر على الوجه ونواحيه وربما انقلع موضع الشعر وتتشقّق الأظفار وتأخذ الصورة تسمج والوجه يجهم واللون يسود ويأخذ الدم يجمد في المفاصل ويعفن ويزداد ضيق النفس حتى يصير إلى عسر شديد وبهر عظيم ويصير الصوت غاية في البحّة وتغلظ الشفتان ويسود اللون وتظهر على البدن زوائد غددية شبيهة بالحيوان الذي يسمى باليونانية ساطورس ثم يأخذ البدن في التقرّح إذا كان جذاماً غير ساكن ويتأكّل غضروف الأنف ثم يسقط الأنف والأطراف ويسيل صديد منتن ويعود الصوت إلى خفاء ولا يكون قد بقي شعر ويسود اللون جداً.
ونبض المجذوم ضعيف لضعف القوة وقلة الحاجة إذ المرض بارد وبطيء غير سريع لضعف البرد ولا بد من تواتر إذ لا سرعة ولا عظم.
فصل في العلاج:
يجب أن تباشر فيه إلى الاستفراغ والتنقية قبل أن يغلظ المرض وإذا تحققت أن هناك دماً كثيراً فاسداً فيجب أن تبادر وتفصد فصداً بليغاً ولو من اليدين فإن لم يتحقق ذلك فلا فصد فإن الفصد من العروق الكبار ربما يضره جداً أكثر مما ينفعه ولكنه قد يؤمر بفصده من تفاريق العروق الصغار إن خيف عليه فصد الكبار واعلم أن دماً بارداً في الظاهر فيكون ذلك أبلغ من الحجامة والعلق وأقل ضرراً بالأحشاء وذلك مثل عرق الجبهة والأنف.
وأما في الأكثر فالفصد محتاج إليه في علاج هذه العلة ومما يستدعي إلى ذلك ضيق نفسه وعسره وربما احتيج إلى فصد الوداج عند اشتداد بحة الصوت وخوف الخنق فإن فصد فيجب أن يراح أسبوعاً ثم يستفرغ بمثل أيارج لوغاذيا وأيارج شحم الحنظل ويستفرغ بمطبوخات وحبوب متخذة من الأفتيمون والأسطوخودوس والبسفايج والهليلج الأسود والكابلي والخربق الأسود واللازورد والحجر الأرمني ولا يضر أن يخلط بها شحم الحنظل والسقمونيا أيضاً وخصوصاً إذا كان هناك صفراء ويضاف إليها صبر وقثاء الحمار والتيادريطوس جيد لهم وأيضاً أيارج فيقرا وخصوصاً إذ قوي بالسمقونيا من جيده مسهلات المجذومين لا سيما إذا شم شمة من الخريق أو جعل معه الحجر الأرمني.
وفي الصيف يجب أن يخفف ولا يُلقى في المطبوخ تقوية حتى لا يثير ويدبر.
مطبوخ للمجذومين: يؤخذ إهليلج أصفر وإهليلج أسود من كل واحد عشرة دراهم نانخواه خمسة دراهم حلتيت طيب نصف درهم زبيب منزوع العجم نصف مناً يطبخ بثلاثة أباريق ماء حتى يصير على الثلث ويُعصر ويُصفى ويُخلط فيه من العسل وزن خمسة دراهم ويُسقى ويمرخ جسمه بالسمن ويجلس في الشمس حتى يغلي أو يخطو سبعين خطوة ويتقلب على اليمين والشمال والظهر والبطن ويأكل الخبز بالعسل.
يسقى هذا الدواء على ما وصفنا سبعة أيام ويجدد طبخه في كل يوم وليس يكفي في علاج هؤلاء الذين لم يستحكموا استفراغ واحد بل ربما احتيج أن يستفرغوا في الشهر مرتين أو في كل شهر مرة بحسب موجب المشاهدة وذلك بأدوية معتدلة.
وقد يسهل كل يوم بالرفق مجلساً ومجلسين بما يسهل ذلك من الشربات الناقصة من الأدوية المذكورة أربعين يوماً ولاء.
أما القوية جداً مثل الخربق ونحوه والكثير الوزن فيكفي في العام مرة ربيعاً ومرة خريفاً أو أكثر من ذلك ويجب أن يقبل على أدمغتهم بالتنقية بمثل الغراغر المذكورة في باب أمراض الرأس وبالسعوطات المعروفة.
نسخة سعوط: يؤخذ دار فلفل وماميران وشيطرج وجوف البرنج من كل واحد درهم جوزبوّا مشكطرامشيع من كل واحد نصف درهم عصارة الفنجنكشت ثلاث قواطل دهن خل ثلاث قواطل يخلط ويطبخ حتى يذهب الماء ثم يصفّى ويحفظ في زجاجة ويسعط به في منخريه ما وَسِعا ثم يتبع إذا أكثر من ذلك السعوطات المرطبة ويجب أن يمنعوا عن كل ما يجفف ويحلّل الرطوبة الغريزية ويُحرّم عليهم التعب والغمّ وأن ينتقلوا من هواء إلى هواء يضاده وأن يسقوا بعد التنقية الأدهان مثل دهن اللوز بمثل عصير العنب وذلك إذا استفرغوا مراراً ويجب أن يراضوا كل غداة بعد اندفاع الفضول من الأمعاء ويكلفوا رفع الصوت العالي ويتوثبوا ويصارعوا ثم يدلكوا فإذا عرقوا نشّفوا وبعد ذلك يدهنون بأدهان معتدلة في الحر والبرد مرطبة في أكثر الأمر مقوية في الأول فإنهم يحتاجون في الأول إلى مقويات كالهليلج والعفص أيضاً بخل.
وربما استعمل عليهم التمريخ بالدهن مع لبن النساء وكذلك يجب أن يسعطوا به إذا كثر اليبس.
وإذا هاج بهم غثيان قُيئوا والأجود أن يستحمّوا ثم يتمرّخوا.
وإذا استحموا فمروخاتهم من مثل دهن الآس والمصطكي ودهن فقّاح الكرم ودار شيشعان ودهن القسط على الأطراف ثم يراح المعالج منهم نصف ساعة ويعرض على القيء بالريشة ثم يسقى شيئاً من الإفسنتين.
وربما احتيج إلى تمريخهم في الحمّام بالملطفات المحلَلة التي يقع فيها النطرون والكبريت وحب الغار وغراء النجارين بل الخردل والصعتر والفلفل ودار فلفل والعاقرقرحا والميويزج والخردل والصبر والفوتنج وإلى التضميد بها على أوصالهم.
بل ربما احتيج إلى مثل الفربيون وذلك حين تكلفهم أن يستحموا لتحليل فضولهم ولتعريقهم فإن تعريقهم قانون جيد في علاجهم وقد يمرخون بالترياق والشليثا والقفتارغاز.
وربما احتيج إلى تمريخهم بمثل ذلك في الشمس الحارة وخير غسولاتهم في الحمّام ما طبخ فيه الحلبة مع الصابون الطيب ويجب أن يجتنب المجذوم الجماع أصلاً.
وأما الأشياء التي يسقونها فمن فاضل أدويتهم الترياق الفاروقي المتخذ بلحوم الأفاعي وترياق الأربعة والقفتارغان ودبيد كبريتا وقد يسعطون بهذه أيضاً وأن يسقوا من أقراص الأفاعي أيضاً وحدها مثقالاً مثقالاً في أوقية من شراب غليظ أو طلاء وأقراص العنصل أيضاً.
واعلم أن لحم الأفاعي وما فيه قوة لحمها من أجل الأدوية لهم ولا ينبغي أن تكون الأفعى سبخية ولا ريفية ولا شطّية فإنها في الأكثر قليلة المنفعة وللكثير منها غائلة التعطيش والإتلاف به بل تختار الجبلية لا سيما البيض وتقطع رؤوسها وأذنابها دفعة واحدة فإن أكثر سيلان الدم عنها وبقيت حية مضطربة اضطراباً كثيراً وزماناً طويلاً فذلك وإلا تركت والمرافق منها الكثير سيلان الدم والاضطراب بعد الذبح وينظف ويطبخ كما نذكر لك ويؤكل منه ومن مرقته والخمر التي تموت فيها الأفعى أو تكرع فقد عوفي بشربها قوم اتفاقاً أو قصداً للقتل من الساقي وملح الأفعى نافع أيضاً وأما شورباجة الأفاعي فأن تؤخذ الأفاعي المقطوعة الطرفين المنقاة عن الأحشاء ثم تسلق بالكراث والشبث والحمص والملح القليل تطبخ بماء كثير حتى تتهرى وتؤخذ عظامها حينئذ عنها وينقى لحمها ويستعمل بأن يؤكل لحمها ويتحشى مرقها على ثريد عن خبز سميذ وربما طرح معها شيء من فراخ الحمام حتى تطيب المرقة.
وهذا التدبير ربما لم يظهر في الابتداء نفعه ثم ظهر دفعة وربما تقدم العافية زوال العقل أياماً وعلامة ظهور فائدته فيه والوصول إلى الوقت الذي يجب أن يكف فيه عن استعماله أن يأخذ المجذوم في الانتفاخ فينتفخ ثم ربما اختلط عقله ثم ينسلخ ثم يعافى فإذا لم يسدر ولم ينتفخ فليكرر عليه التدبير كرة أخرى.
ومما وصفوا لذلك أن يذبح الأسود السالخ ويدفن حتى يتدود ويخرج مع دوده ويجفف ويسقى من أفرط عليه الجذام منه ثلاثة أيام كل يوم وزن درهم بشراب العسل والتمريخ أيضاً بما فيه قوة الأفعى نافع له كالزيت الذي يطبخ فيه ومثل هذا الدواء.
ونسخته: يؤخذ الأسود السالخ ويجعل في قدر ويصبّ عليه من الخلّ الثقيف ثمان أواق ومن الماء أوقية ومن الشيطرج الرطب وأصل اللوف من كل واحد أوقيتين يطبخ على نار لينة حتى تتهرى الحية ويصفى الماء عن الحية ويتدلّك به بعد حلق اللحية والرأس يفعل ذلك ثلاثة أيام ويعرض لهم من استعمال الأدوية الأفعوية الانسلاخ عن الجلد الفاسد وإبدال لحم وجلد صحيح على أن تمريخ المجذوم بالمرطبات المعتدلة الحرارة مما ينفع في بعض الأوقات إذا اشتد اليبس وكذلك إسعاطه بمثل دهن البنفسج وفيه قليل دهن خيري وأيضاً بمثل شحوم السباع والثيران والطيور وبمثل دهن القسط والدار شيشعان ودهن السوسن يحفظ الأطراف وذلك بعد التنقية وقبل التنقية لا يمرخ البتة فيسد المسام.
ومن المشروبات النافعة لهم البزرجلي ودواء السلاخة واللبن من أوفق ما يعالج به وخصوصاً عند ضيق نفسه وعسره وبحة صوته وفي فترات ما بين الاستفراغات ويجب أن يشرب في حال ما يحلب ولبن الضأن من أنفع الأشياء له ويجب أن يشرب منه قدر ما ينهضم وإن اقتصر عليه وحده إن أمكن كان نافعاً جداً وإن كان ولا بد فلا يزيد عليه شيئاً إن أمكن غير الخبز النقي والاسفيدباجات بلحوم الحملان وما أشبه ذلك مما سنذكره.
وإذا عاد النفس إلى الصلاح فالأولى أن يترك اللبن ويقبل على الأشياء الحريقة ليتقيأ بها لا لغير ذلك ويستفرغ بما ذكر ثم إن احتاج عاود اللبن إلى الحد المذكور ويجب أن يكرر هذا التدبير في السنة مراراً.
وأما المستحكمون فلا يجب أن يشتغل بفصدهم ولا بإسهالهم بمراء قوي فإن الفضول فيهم تتحرك ولا تنفصل بل يرفق بإمالة المواد منهم إلى الأمعاء ويستعمل من خارج ما يفش ويحلل.
ومن الأشربة الصالحة لهم أن يؤخذ من الخلّ أوقية ونصف ومن القطران مثله ومن عصارة الكرنب البري النيء ثلاث أواق يخلط الجميع ويسقى بالغداة والعشي أو يؤخذ لهم من برادة العاج وزن عشرة قراريط فيسقونه في ثلاث أواق شراب وسمن أو يؤخذ الحلتيت بالعسل قدر جوزة أو يؤخذ من العنصل قدر عشرة قراريط مع شراب العسل المقوم كاللعوق أو يؤخذ من الكقون خمسة دراهم في عسل كاللعوق وعصارة الفوتنج جيدة لهم جداً من ثلاث قوايوس إلى ست والسمك المليح يجب أن يستعملوا منه أحياناً كما يستعمل الدواء وليجتنبوا الحريفة جداً إلا للقيء وإلا على سبيل الأبازير فيما يتخذ.
وقد يعالجون بالكي المتفرّق جداً على أعضائهم مثل اليافوخ ودروز الرأس وعلى أصل الحنجرة والصدفين والقفا ومفاصل اليدين والرجلين.
وقال بعضهم يجب أن يكووا في أول الخوف من الجذام كية في مقدّم الرأس أرفع من اليافوخ وأخرى أسفل من ذلك وعند القصاص فوق الحاجب وواحدة في يمنة الرأس وأخرى في يسرته وواحدة من خلفه فوق النقرة وإثنتين عندى الدرزين القشريين وواحدة على الطحال وتكون تلك الكيات بمكواة خفيفة دقيقة وإذا كوي على الرأس فيجب أن يبلغ العظم حتى يتقشر العظم ولو مراراً كثيرة بعد أن يتحفظ من وصول ذلك إلى الدماغ على جملة مفسدة لمزاجه فإن الجهال ربما قتلوا بذلك إذا لم تخفّف أيديهم.
منها البزرجلي والبيشي الذي يقوم مقام لحم الأفاعي في هذه العلة ومنها دواء السلاخة فأما البزرجلي فله نسخ كثيرة ذكرتها الهند وجرّبوها ومن صفاته المعروفة أن يؤخذ هليلج أسود وشيطرج هندي من كل واحد عشرة دراهم دار فلفل خمسة دراهم بيش أبيض درهمين ونصف يدق ويلتّ بسمن البقر ويعجن بعسل والشربة مثقال إلى درهمين بعد تنقية البدن فإن أخذ منع مع مثله دواء المسك لم تخف غائلته فإنه باد زهره.
صفة المعجون المسمى بزرجلي الأكبر: وهو الجوانداران النافع من الجذام والبرص والبهق والقوباء والماء الأصفر والحكّة والجرب العتيق ويثبت العقل ويذهب بالنسيان وهو جيد للحفظ نافع من الغشي وهذا الدواء اتخذه علماء الهند لملوكهم.
أخلاطه: يؤخذ هليلج وبليلج وأملج وشيطرج هندي من كل واحد أربعة عشر درهماً جوزبوّا وخيربوّا وقشور الكندر ومو وفو وفلفل ودار فلفل وفلفلمويه ونار قيصر ونار مشك وكندس وعصارة الاشقيل وساذج هندي من كل واحد ثمانية مثاقيل ومن البيش الأزرق الجيد أربعة مثاقيل تدق الأدوية وتنخل ويسحق البيش على حدة ويسد الذي يدقه أنفه وفمه ويدهنهما قبل ذلك بسمن البقر وبإزاء سحقه الأدوية ويؤخذ من الفانيد الخزايني الجيد أو السجزي منوين ونصف بالبغدادي ويرض ويلقى في قدر حديد ويصب عليه من الماء بقدر ما يذوبه فإذا ذاب فأنزله عن النار وذر عليه الأدوية واعجنها به عجناً جيداً ثم اتخذ منه بنادق كل بندقة من مثقال واسق كل يوم منها واحدة على الريق بماء فاتر أو نبيذ.
صفة معجون السلاخة: وهو دواء هندي كبير في طريق البزرجلي وهو ينفع أيضاً من تناثر الأشفار وبياض الشعر والبهر والخفقان وفتور الشهوة والإسهال الذريع والاستسقاء واليرقان وقلة الذرع والباسور ويشبب الشيوخ وينفع من الحكة والقروح.
ونسخته: يؤخذ من السلاخة المنقاة المغسولة مائتان وستون مثقالاً والسلاخة هي أبوال التيوس الجبلية وذلك أنها تبول أيام هيجانها على صخرة في الجبل تسمى السلاخة فتسود الصخرة وتصير كالقار الدسم الرقيق ومن الهليلج والبليلج والأملج والفلفل والدار فلفل والدهمست وخيربوا وقرفة وبسباسة وعود وبالة وديكارة وطباشير وإكمكت وبرنج وماقيس من كل واحد أربعة مثاقيل ومن المقل مائتين وستين مثقالاً ومن السكر الطبرزد مائة وأربعين مثقالاً ومن الذهب الأحمر والفضة الصافية والنحاس الأحمر والحديد والآنك والفولاذ من كل واحد ثمانية مثاقيل تحرق الجواهر وتدق وتنخل مع الأدوية وتخلط جميعاً مع العسل والسمن وترفع في بستوقة خضراء والشربة مثقال بلبن المعز وبماء فاتر ويزاد فيه من العسل المنزوع الرغوة سبعة وستون مثقالاً ومن السمن أربعة وثلاثون مثقالاً وإن طبخته كان خيراً لأنه يربو ويدرك في أحد وعشرين يوماً.
صفة إحراق الفولاذ: يضرب الفولاذ صفائح ثم يطبخ هليلج وبليلج وأملج ويصفى ماؤها ويجعل في قدر نحاس ويوقد تحتها نار لينة ويسخن الفولاذ حتى يحمرّ ويغمس في ذلك الماء ثم يعاد إلى النار حتى يحمر فإذا احمر غمسته أيضاً في ذلك الماء يفعل ذلك به إحدى وعشرين مرة ثم يصفّى ذلك الماء ويؤخذ ثفله الذي يرسب فيه من الفولاذ ثم يعاد القدر على النار ويجعل فيها بول البقر ويحمّى الحديد ويغمس فيها أيضاً إحدى وعشرين مرة ويؤخذ أيضاً ثفله حتى يخلص من ثفله ثمانية مثاقيل ومن ثفل الفولاذ ثمانية مثاقيل وكذلك يفعل بالنحاس حتى يستوفي منه أيضاً ثمانية مثاقيل فأما الفضة فإنها تبرد بالمبرد حتى تصير كالتراب ثم تطبخ بماء الملح في مغرفة حديد حتى تحترق احتراقاً جيداً وإن لم تحترق ألقيتَ في المغرفة شيئاً قليلاً من الكبريت الأصفر فإنه يحترق ويأخذ منها ثمانية مثاقيل كلّ ذلك مدقوقاً منخولاً.
من الآنك وهو الأسرب ويبرد الآنك مع الذهب حتى يذابا معاً ثم يترك ساعة ثم يبرد أيضاً ويزاد عليه مثقال من الآنك ويبرد أيضاً بالمبرد ثم يلقى في المغرفة ويصبّ عليه ماء الملح ويغلى حتى يذهب الماء ويبقى الذهن والآنك ثم يدق في الهاون ناعماً حتى يصير مثل الذريرة ويخلط بالأدوية.
وأما تصفية السلاخة فعلى هذا يؤخذ ماء الحسك وبول البقر وتلقيهما على السلاخة في إناء حديد بقدر ما يغمره ويوضع في الشمس الحارة ساعة ثم يدلك دلكاً شديداً ويصفى الماء عنه في إناء حديد ويوضع في الشمس الحارة ثلاثة أيام ثم يصفى ويؤخذ ثفله الخاثر ثم يصبّ أيضاً ماء الحسك والبول على السلاخة ويدبر كما دبّر أولاً ثم يفعل ذلك ثلاث مرات ثم يوضع في الشمس أحد وعشرين يوماً حتى يغلظ ويصير شبه العسل ويسود مثل القار.
صفة السلاخة الصغرى: ومنافعها منافع الكبرى ونسخته: يؤخذ من السلاخة المصفاة جزء ومن الكور أربعة أجزاء يدقّ الكور ويخلط معها مثل وزنها من العسل ومثله من السكر ومثل نصف العسل سمن البقر ويرفع في قارورة والشربة مثقال بلبن البقر فاتراً.
صفة دواء نافع من الجذام: يؤخذ هليلج أسود منقّى وهليلج أصفر منقّى وزنجبيل من كلّ واحد أحد عشر درهماً نانخواه خمسة دراهم حلتيت طيب ثلاثة دراهم زبيب منقى نصف مكوك يطبخ بثلاث دواريق ماء.
قال والدورق أربعة أرطال بالبغدادي حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ثم يعصر ويصفى ويلقى على المصفى من العسل ما يكفيه ويسقى منه رطل ويدهن على المكان من بدن العليل بسمن البقر ويجلس في الشمس حتى يعرق ويؤمر أن يمشي إذا أطاق ذلك سبعين خطوة ويضجع مرة على جنبه الأيمن ومرّة على جنبه الأيسر ومرّة على بطنه ومرّة على ظهره ويغذى بالخبز والعسل بمقدار فصد سبعة أيام على أن تطرى له الأدوية في كل يوم.
صفة طلاء للجذام: يؤخذ أسود سالح فيذبح ويصير في قدر ويصب عليه من الخل الثقيف ثمان أواق ومن الماء أوقية ومن الشيطرج لرطب وأصل اللوف من كل واحد أوقيتين يطبخ على نار لينة حتى تتهرّى الحية ثم يصفّى بخرقة ويبرأ العظام من اللحم ثم يصير الثفل في إناء زجاج فإذا أردت العلاج فمره بحلق شعر الحاجبين والرأس وأطل عليه من ذلك ثلاثة أيام.
صفة طلاء آخر: يؤخذ ميويزج وهليلج أسود منقّى وأملج من كل واحد جزء يغلى بزيت أنفاق ويلطخ به طلاء آخر: يحرق الهليلج والعفص ويطلى عليه بخلّ.
وأما الأغذية لهم فكلّ سريع الهضم حسن الكيموس مثل لحوم الطير المعمولة إسفيدباجة والسمك الرطب الخفيف اللحم مع أبازير لا بدّ منها وخير غذائه خبز الشعير النقي وخبز الخندروس والأحساء المتخذة منهما والبقول الرطبة وقد يحتاج أن يخلطهما بمثل السلق والفجل والكراث ولا يجب أن تغفل استعمال المقطعات وخصوصاً قبل التنقية كالكبر والرازيانج والكراث فإن هذا ينقي غذاءهم عن الفضول وبعد الفضول للاندفاع.
فإذا استعملت الأدوية المحمودة فاستعمل أيضاً هذا التدبير والسمك المالح في هذا الباب جيد لهم ونحن أحرص على هذا حين نريد أن نقيئهم ونسهلهم والكرنب نافع لهم بالخاصية والخبز باللبن والعسل نافع لهم والتين والعنب والزبيب واللوز المقلو والقرطم وحب الصنوبر وما يتخذ من هذه مواقفة لهم ويجب أن يأكل في اليوم مرتين على تقدير الهضم فإن المرة الواحدة تضره ولا يشرب الشراب عند هيجان العلة إلا قليلاً وعند سكون العلة إن شرب من الرقيق الذي ليس بعتيق بمقدار معتدل جاز وأما ما انتثر من الشعر من الحاجب ونحوه فيعالج بعلاج داء الثعلب وسائر ما نذكره في كتاب الزينة.